السبت، 25 ديسمبر 2010

فتنة داحس والغبراء

فتنة داحس والغبراء ... من الانقسام السياسي إلى إنتاج ثقافة الانقسام: الخطاب الإعلامي نموذجا

قدم الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، مضمونا وممارسة نمطا جديدا لم يألفه الحقل السياسي الفلسطيني من قبل، دون أن ندعي هنا أن التاريخ السياسي الفلسطيني اتسم بديمقراطية ناضجة أو تعددية سياسية راسخة، لكن مع قصور التجربة الفلسطينية ما قبل الانقسام إلا أن مظاهر الاختلاف السياسي والمعارضة بقيت ضمن حدود الالتزام بالقواسم الوطنية المشتركة، وحرمة الدم الفلسطيني (مع بعض الصدامات المتفرقة التي غذتها عوامل إقليمية)، والحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، سياسيا، واجتماعيا، وجغرافيا.

أما جديد ما وصل إليه الانقسام الفلسطيني الأخير، فهو "إبداع" حالة من الفصل السياسي والجغرافي والاجتماعي والثقافي، وتكريسها عبر ممارسات إقصائية وصلت حد النفي والإبعاد (كما حصل مؤخرا من منع لشخصيات فلسطينية من دخول قطاع غزة)، والقتل والاعتقال، والتي بجميعها تؤدي دورا أعمق مما سعى الاحتلال إليه في العقود السابقة، من تفتيت وتشظية للمجتمع الفلسطيني ككل.

وبعيدا عن رصد هذه الممارسات الإقصائية، فإن اللافت للنظر أن الحديث عن الحوار الوطني منذ نحو أربع سنوات، والعودة للوحدة الوطنية، لم يرافقه أي مظهر للترويج لفكر الوحدة الوطنية، بل على العكس تماما، تفنن طرفا الانقسام في تدوير ماكينة الخطاب الانقسامي، عبر الوسائل الإعلامية والمتحدثين الرسميين وغير الرسميين لكلا الطرفين. فأي متابع عادي للمواد الإعلامية لا يلاحظ أي محاولة منها لتنقية الأجواء، بل الإمعان في تعكيرها، ونقل أجواء الانقسام من المستوى السياسي، للمستوى الشعبي المجتمعي، كنوع من كسب تأييد أوسع قاعدة جماهيرية لهذا الطرف أو ذاك، وفي نفس الوقت تعبئة جمهور كل طرف بنوع من "الحقد" السياسي على الطرف الآخر ومشايعيه.

ومن الملاحظ أيضا، أن الشريط الإخباري على سبيل المثال لا الحصر، يكرر طيلة اليوم أخبار اعتقال قوات عباس لكوادر حمساوية (على حد وصف قناة الأقصى)، واعتقال أجهزة الأمن المقالة/ أو مليشيا حماس لكوادر من حركة فتح (على حد وصف قناة فلسطين او الجزيرة)، وقد يصل التكرار حدا يعتقد المتابع لأي من الفضائيتين أن الاعتقالات تتم بعشرات الآلاف يوميا، رغم أن موقفنا هنا أن الاعتقال السياسي مرفوض جملة وتفصيلا بغض النظر عن عدد المعتقلين، إلا أن هذا التكرار، والتركيز الإخباري، ونوعية الخطابات التي يتم الترويج لها، تحاول أن تجعل من حالة الانقسام أمرا يتغلغل وعي المواطن، بل أنه عنوان الحالة السياسية الفلسطينية، فيما يتراجع التناقض مع الاحتلال تدريجيا.

وبذات سياق خبر الاعتقالات المتبادلة بين حركتي حماس وفتح، وهي عادة تتناول اعتقال عشرات، يكمل الشريط الإخباري ما يلي: "قوات الاحتلال تعتقل ثمانية، أو تسعة أو عشرة مواطنين في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية"... وهنا نتساءل هل عدد مناضلينا المعتقلين يوميا من قبل الاحتلال، أقل من هؤلاء الذين تطحنهم فتنة داحس والغبراء؟ إنه لمن المؤسف حقا، أن يتم التعاطي مع الانقسام بهذا القدر من اللامسؤولية، والمصلحية المؤقتة، فإن كان لدى أي من الطرفين أجندات دولية أو إقليمية أو ذاتية للإبقاء على الانقسام، نرجوهم أن يبقى بحدود السياسية، لا المجتمع وقضيته ودمه ونضاله...

هناك تعليق واحد: